جمعتنا الطاعة و فرقت بيننا المعصية

بينما كنت في مكتبي ذات إذ أقبلت إلي امرأة في العقد الثالث و برفقتها ابنتها الصغيرة ذات الاعوام الخمسة ، فطلبت إلي أن تكلمني فأذنت لها ثم قالت لي : "إن سبب قدومي عليك هو أن قصتي مأساوية و أريد منك أن تنشرها دون أن تذكر اسمي لعل الناس يتعظون بما جرى لي لزوجي السابق." فما إن قالت ذلك حتى أخرجت مدونتي و شرعت اكتب ما قالته لي.

" لقد جمعني الله قبل سبع سنوات بزوج طيب و متدين يعرف الله حقا و كنت مثله تماما اطيع الله تعالى ، فكنا نقيم الصلوات سوية و نعتمر سوية و لم نكن ندع طاعة لله إلا ابتغيناها إرضاء لوجه الله جل جلاله. ثم رزقنا الله سبحانه و تعالى هذه الطفلة فأحسسنا أنه جل جلاله قد من علينا بطفلة تطيعه مثلنا. الحق أن حياتنا تلك كانت رائعة بكل ما تعنيه الكلمة إلى أن جاء ذلك اليوم الذي بدا فيه الانهيار شيئا فشيئا. " و هنا توقفت تلك المرأة لأنها كانت تبكي. صببت لها بعض الماء و ناشدتها أن تصبر.

" في ذلك اليوم جاء قريب لزوجي ليخبرنا عن سوق الأسهم و الأرباح التي يجنيها المساهمون فيها و كنت استمع إلى حديثهما فزين لي الشيطان ان أكلم زوجي بهذا الشان. فما إن انصرف قريب زوجي حتى بادرته الحديث بهذا الشأن و عرضت عليه أن نصنع كما يصنعه من يدخلون أسواق الأسهم التي كانت ربوية في تعاملها . و على اثر ذلك دخلنا سوية ذلك السوق المشؤوم بعد أن غامرنا بكل ما لدينا من مدخرات رغبة في تحقيق أكبر المكاسب و بأقل الجهود ، ولكننا لم نعلم أن لله تعالى حكمة لا بد أن ينفذها ، فلم يمض أسبوع على دخولنا ذلك السوق حتى أصيبت الأسهم الربوية كلها بإنهيار عظيم و ضاعت تلك الأحلام و حينئذ ايقنا أن الله تعالى يمحق الربا و يربي الصدقات."

" و ما إن خسرنا كل ما بيدنا من مال حتى شرع زوجي يلومني بشدة على إقناعي إياه بالوقوع في الهاوية كما زعم و بدأت المشاحنات تزداد بيني و بينه حدة حتى لم يكد أحدنا يطيق النظر في وجه الآخر فخسرنا حلاوة تلك اللحظات التي قضيناها في طاعة الله تعالى. ثم جاءت تلك الليلة الحزينة التي بلغ فيها الخلاف أوجه بيني و بين زوجي ، فما كان منه إلا أن طلقني و حينئذ ضممت ابنتي إلى صدري و انا أبكي بصمت فبكت صغيرتي لبكائي و ندمت جدا على ما صنعت، فلم يكن غريبا علي حينئذ أن أتذكر أن طاعة الله تعالى هي التي جمعتني بزوجي و أن معصيته هي التي فرقت بيننا. "